فصل: المرقب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 كركويه

مدينة بسجستان قديمة‏.‏ بها قبتان عظيمتان زعموا أنهما من عهد رستم الشديد وعلى رأس القبتين قرنان قد جعل ميل كل واحد منهما إلى الآخر تشبيهاً بقرني الثور بقاؤهما من عهد رستم إلى زماننا هذا من أعجب الأشياء وتحت القبتين بين نار للمجوس تشبيهاً بأن الملك يبني قرب داره معبداً يتعبد فيه ونار هذا البيت لا تطفأ أبداً‏.‏

ولها خدم يتناوبون في إشعال النار يقعد الموسوم مع الخدمة على بعد النار عشرين ذراعاً ويغطي فمه وأنفاسه ويأخذ بكلبتين من فضة عوداً من الطرفاء نحو الشبر يقلبه في النار‏.‏

وكلما همت النار بالخبو يلقي كرمان ناحية مشهورة شرقها مكران وغربها فارس وشمالها خراسان وجنوبها بحر فارس‏.‏

تنسب إلى كرمان بن فارس بن طهمورث‏.‏

وهي بلاد واسعة الخيرات وافرة الغلات من النخل والزرع والمواشي‏.‏

وبها ثمرات الصرود والجروم والجوز والنخل‏.‏

وبها معدن التوتيا يحمل منها إلى جميع الدنيا بها خشب لا تحرقه النار ولو ترك فيها أياماً ينبت في بعض جبالها يأخذه الطرقيون ويقولون‏:‏ انه من الخشب الذي صلب عليه المسيح‏.‏

وشجر القطن بكرمان يبقى سنين حتى يصير مثل الأشجار الباسقة وكذلك شجر الباذنجان والشاهسفرم‏.‏

وبها شجر يسمى كادي من شمه رعف ورقه كورق الصبر إن ألقي في النار لا يحترق‏.‏

ومن عجائب الدنيا أرض بين كرمان وجاريح إذا احتك بعض أحجارها بالبعض يأتي مطر عظيم وهذا شيء مشهور عندهم حتى ان من اجتاز بها يتنكب عنها كيلا تحتك تلك الحجارة بعضها ببعض فيأتي مطر يهلك الناس والدواب‏!‏ وبها معدن الزاج الذهبي يحمل من وحكى ابن الفقيه أن بعض الملوك غضب على جمع من الفلاسفة فنفاهم إلى أرض كرمان لأنها كانت أرضاً يابسة بيضاء لا يخرج ماؤها إلا من خمسين ذراعاً‏.‏

فهندسوا حتى أخرجوا الماء على وجه الأرض وزرعوا عليه وغرسوا فصارت كرمان أحسن بلاد الله ذات شجر وزرع‏.‏

فلما عرف الملك ذلك قال‏:‏ اسكنوهم جبالها فعملوا الفوارات وأظهروا الماء على رؤوس جبالها فقال الملك‏:‏ اسجنوهم فعملوا في السجن الكيميا وقالوا‏:‏ هذا علم لا نخرجه إلى أحد‏!‏ وعملوا مقدار ما يكفيهم مدة عمرهم وأحرقوا كتبهم وانقطع علم الكيميا‏.‏

وبأرض كرمان في رساتيقها جبال بها أحجار تشتعل بالنار مثل الحطب‏.‏

وينسب إلى كرمان الشيخ أبو حامد أحمد الكرماني الملقب بأوحد الدين‏.‏

كان شيخاً مباركاً صاحب كرامات وله تلامذة وكان صاحب خلوة يخبر عن المغيبات وله أشعار بالعجمية في الطريقة كان صاحب اربل معتقداً به بقي عنده مدة ثم تأذى منه وفارقه وهو يقول‏:‏ با دل كفتم خدمت شاهي كم كير جون سر نهاده كلاهي كم كير دل كفت مرا ازين سخن كمتر كو كردي ودهي وخانقاهي كم كير مات سنة خمس وثلاثين وستمائة ببغداد‏.‏بلدة بين حلب والمعرة في برية معطشة أعز الأشياء عند أهلها الماء ذكر أنهم حفروا ثلاثمائة ذراع لم ينبط لهم ماء وليس لها إلا ما يجمعونه من مياه الأمطار وقال سنان الخفاجي‏:‏ بالله يا حادي المطايا بين حناك وأرضايا عرّج على أرض كفرطاب وحيّها أحسن التّحايا واهد لها الماء فهي ممّن يفرح بالماء في الهدايا ومن العجب إقامة جمع من العقلاء بأرض هذا شأنها‏.‏

 كفرمندة

قرية بالأردن بين مكة والطبرية‏.‏

قيل‏:‏ انها مدين المذكور في القرآن وكان منزل شعيب عليه السلام‏.‏

وبها قبر بنت شعيب صافورا زوجة موسى عليه السلام‏.‏

وبها الجب الذي قلع موسى الصخرة عن رأسه وسقى مواشي شعيب والصخرة باقية إلى الآن‏.‏

 كفرنجد

قرية كبيرة من أعمال حلب في جبل السماق بها عين ماء حار‏.‏

لها خاصية عجيبة وهي ان من تشبث بحلقه العلق من الحيوانات شرب من مائها ودار حولها فألقاها بإذن الله حدث بهذا بعض سكانها‏.‏

 كلز

قرية من نواحي عزاز بين حلب وانطاكية جرى في أواخر ربيع الأول سنة تسع عشرة وستمائة بها أمر عجيب وشاع ذلك بحلب وكتب عامل كلز إلى حلب كتاباً بصحة ذلك وهو أنهم رأوا هناك تنيناً عظيماً غلظه شبه منارة أسود اللون ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره فما مر على شيء إلا أحرقه حتى أحرقت مزارع وأشجار كثيرة‏.‏

وصادف في طريقه بيوت التركمان وخرقاهاتهم فأحرقها بما فيها من الناس والمواشي ومر نحو عشرة فراسخ كذلك والناس يشاهدونه من البعد حتى أغاث الله أهل تلك النواحي بسحابة أقبلت من البحر وتدلت حتى اشتملت عليه ورفعته نحو السماء والناس يشاهدونه حتى غاب عن أعين الناس ولقد لف ذنبه على كلب والكلب ينبح في الهواء‏.‏

 كوزا

قلعة بطبرستان من عجائب الدنيا قال الأبي‏:‏ هي تناطح النجوم ارتفاعاً وتحكيها امتناعاً حتى لا تعلوها الطير في تحليقها ولا السحب في ارتفاعها فتحتف بها الغمام وتقف دون قلتها ولا تسمو عليها فيمطر سفحها دون أعلاها والفكر قاصر عن ترتيب مقدمات استخلاصها‏.‏

الكوفة هي المدينة المشهورة التي مصرها الإسلاميون بعد البصرة بسنتين قال ابن الكلبي‏:‏ اجتمع أهل الكوفة والبصرة وكل قوم يرجع بلده فقال الحجاج‏:‏ يا أمير المؤمنين إن لي بالبلدين خبراً قال‏:‏ هات غير متهم‏!‏ قال‏:‏ أما الكوفة فبكر عاطل لا حلي لها ولا زينة وأما البصرة فعجوز شمطاء بخراء دفراء أوتيت من كل حلي وزينة‏!‏ فاستحسن الحاضرون وصفه إياهما‏.‏

قال ابن عباس الهمداني‏:‏ الكوفة مثل اللهاة من البدن يأتيها الماء بعذوبة وبرودة والبصرة مثل المثانة يأتيها الماء بعد تغيره وفساده‏.‏

ولمسجدها فضائل كثيرة منها ما روى حبة العرني قال‏:‏ كنت جالساً عند علي فجاءه رجل وقال‏:‏ هذا زادي وهذه راحلتي أريد زيارة بيت المقدس‏!‏ فقال له‏:‏ كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد يريد مسجد الكوفة ففي زاويته فار التنور وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم وفيه عصا موسى وشجرة اليقطين ومصلى نوح عليه السلام‏.‏

ووسطه على روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين من الجنة لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً‏.‏

بها مسجد السهلة قال أبو حمزة الثمالي‏:‏ قال لي جعفر بن محمد الصادق‏:‏ يا أبا حمزة أتعرف مسجد السهلة قلت‏:‏ عندنا مسجد يسمى مسجد السهلة‏.‏

قال‏:‏ لم أرد سواه‏!‏ لو ان زيداً أتاه وصلى فيه واستجار فيه بربه من القتل لأجاره‏!‏ ان فيه موضع البيت الذي كان يخيط فيه ادريس عليه السلام ومنه رفع إلى السماء ومنه خرج إبراهيم إلى العمالقة وهو موضع مناخ الخضر وما أتاه مغموم إلا فرج الله عنه‏.‏

كان بها قصر اسمه طمار يسكنه الولاة‏.‏

أمر عبيد الله بن زياد بإلقاء مسلم ابن عقيل بن أبي طالب من أعلاه قبل مقتل الحسين وكان بالكوفة رجل اسمه هانيء يميل إلى الحسين فجاء مسلم إليه فأرادوا إخراجه من داره فقاتل حتى قتل قال عبد الله بن الزبير الأسدي‏:‏ إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانيءٍ في السّوق وابن عقيل إلى بطلٍ قد عفّر السّيف وجهه وآخر يلقى من طمار قتيل وكان في هذا القصر قبة ينزلها الأمراء فدخل عبد الملك بن عمير على عبد الملك بن مروان وهو في هذه القبة على سرير وعن يمينه ترس عليه رأس مصعب بن الزبير فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين رأيت في هذه القبة عجباً‏!‏ فقال‏:‏ ما ذاك قال‏:‏ رأيت عبيد الله بن زياد على هذا السرير وعن يمينه ترس عليه رأس الحسين ثم دخلت على المختار بن عبيد وهو على هذا السرير وعن يمينه ترس عليه رأس عبيد الله بن زياد ثم دخلت على مصعب بن الزبير وهو على هذا السرير وعن يمينه ترس عليه رأس المختار ثم دخلت عليك يا أمير المؤمنين وأنت على هذا السرير وعن يمينك ترس عليه رأس مصعب‏!‏ فوثب عبد الملك عن السرير وأمر بهدم القبة‏.‏

زعموا أن من أصدق ما يقوله الناس في أهل كل بلدة قولهم‏:‏ الكوفي لا يوفي‏!‏ ومما نقم على أهل الكوفة أنهم طعنوا الحسن بن علي ونهبوا عسكره وخذلوا الحسين بعد أن استدعوه وشكوا من سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا‏:‏ انه ما يحسن الصلاة‏!‏ فدعا عليهم سعد أن لا يرضيهم الله عن وال ولا يرضي والياً عنهم ودعا علي عليهم وقال‏:‏ اللهم أمرهم بالغلام الثقفي‏!‏ يعني الحجاج‏.‏

وادعى النبوة منهم كثيرون‏.‏

ولما قتل مصعب بن الزبير أرادت زوجته سكينة بنت الحسين الرجوع إلى المدينة فاجتمع عليها أهل الكوفة وقالوا‏:‏ حسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله‏!‏ فقالت‏:‏ لا جزاكم الله عني خيراً ولا أحسن إليكم الخلافة‏!‏ قتلتم أبي وجدي وعمي وأخي‏!‏ تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من واليهم فقال‏:‏ ما علمت من عمالي أعدل وأقوم بأمر الرعية منه‏!‏ فقال أحدهم‏:‏ يا أمير المؤمنين ليس أحد أولى بالعدل والانصاف منك‏!‏ فإن كان هو بهذه الصفة فعلى الأمير أن يوليه بلداً بلداً ليلحق كل بلدة من عدله ما لحقناه فإذا فعل الأمير ذلك لا يصيبنا أكثر من ثلاث سنين‏!‏ فضحك المأمون وأمر بصرفه‏.‏

ينسب إليها الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت كان عابداً زاهداً خائفاً من الله تعالى‏.‏

ودعي أبو حنيفة إلى القضاء فقال‏:‏ إني لا أصلح لذلك‏!‏ فقيل‏:‏ لم فقال‏:‏ إن كنت صادقاً فلا أصلح لها وإن كنت كاذباً فالكاذب لا يصلح للقضاء‏.‏

وأراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة للقضاء فأبى فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليحبسنه ففعل ذلك حتى انتفخ وجه أبي حنيفة ورأسه من الضرب فقال‏:‏ الضرب بالسياط في الدنيا أهون من مقامع الحديد في الآخرة‏!‏ قال عبد الله بن المبارك‏:‏ لقد زان البلاد ومن عليها إمام المسلمين أبو حنيفه بآثار رفقه في حديثٍ كآيات الزّبور على الصّحيفه فما إن بالعراق له نظيرٌ ولا بالمشرقين ولا بكوفه وحكي أن الربيع صاحب المنصور كان لا يرى أبا حنيفة فقال له يوماً‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا أبو حنيفة يخالف جدك عبد الله بن عباس فإن جدك يقول إذا حلف الرجل واستثنى بعد يوم أو يومين جاز وأبو حنيفة يقول‏:‏ لا يجوز‏!‏ فقال أبو حنيفة‏:‏ هذا الربيع يقول ليس لك في رقاب جندك بيعة‏!‏ قال‏:‏ كيف قال‏:‏ يحلفون عندك ويرجعون إلى منازلهم يستثنون فتبطل اليمين‏!‏ فضحك المنصور وقال‏:‏ يا ربيع لا تتعرض لأبي حنيفة فلما خرج من عند المنصور قال له الربيع‏:‏ أردت أن تشط بدمي‏!‏ قال‏:‏ لا ولكنك أردت أن تشط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي‏!‏ وحكى قاضي نهروان أن رجلاً استودع رجلاً بالكوفة وديعةً ومضى إلى الحج‏.‏

فلما عاد طلبها فأنكر المودع وكان يجالس أبا حنيفة فجاء المظلوم وشكا إلى أبي حنيفة فقال له‏:‏ اذهب لا تعلم أحداً بجحوده‏!‏ ثم طلب الظالم وقال‏:‏ إن هؤلاء بعثوا إلي يطلبون رجلاً للقضاء فهل تنشط لها فتمانع الرجل قليلاً ثم رغب فيها‏.‏

فعند ذلك بعث أبو حنيفة إلى المظلوم وقال‏:‏ مر إليه وقل له‏:‏ أظنك نسيت أليس كان في يوم كذا وفي موضع كذا فذهب المظلوم إليه وقال ذلك فردها إليه‏.‏

فجاء الظالم إلى أبي حنيفة يريد القضاء فقال‏:‏ نظرت في قدرك أريد أن أرفعه بأجل من هذا‏.‏

وذكر أن أبا العباس الطوسي كان سيء الرأي في أبي حنيفة وأبو حنيفة يعلم ذلك‏.‏

فرآه يوماً عند المنصور فقال‏:‏ اليوم اقتل أبا حنيفة‏!‏ فقال له‏:‏ يا أبا حنيفة ما تقول في أن أمير المؤمنين يدعو أحداً إلى قتل أحد ولا ندري ما هو أيسع لنا أن نضرب عنقه قال أبو حنيفة‏:‏ يا أبا العباس الأمير يأمر بالحق أو بالباطل قال‏:‏ بالحق‏!‏ قال‏:‏ انفذ الحق حيث كان ولا تسأل عنه ‏!‏ ثم قال لمن كان بجنبه‏:‏ هذا أراد أن يوبقني فربطته‏!‏ توفي سنة خمسين ومائة عن اثنتين وسبعين‏.‏

ينسب إليها أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري منسوب إلى ثور أطحل كان من أكثر الناس علماً وورعاً‏.‏

وكان إماماً مجتهداً وجنيد البغدادي يفتي على مذهبه كان يصاحب المهدي فلما ولي الخلافة انقطع عنه فقال له المهدي‏:‏ إن لم تصاحبني فعظني‏!‏ قال‏:‏ إن في القرآن سورة أولها‏:‏ ويل للمطففين‏!‏ والتطفيف لا يكون إلا شيئاً نزراً فكيف من يأخذ أموالاً كثيرة وحكي أن المنصور رآه في الطواف فضرب يده على عاتقه فقال‏:‏ ما منعك أن تأتينا قال‏:‏ قول الله تعالى‏:‏ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار‏!‏ فالتفت المنصور إلى أصحابه وقال‏:‏ القينا الحب إلى العلماء فلقطوا إلا ما كان من سفيان فإنه أعيانا‏!‏ ثم قال له‏:‏ سلني حاجتك يا أبا عبد الله‏!‏ فقال‏:‏ وتقضيها يا أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ حاجتي أن لا ترسل إلي حتى آتيك وأن لا تعطيني شيئاً حتى أسألك‏.‏

وخرج ليلة أراد العبور على دجلة فوجد شطيها قد التصقا فقال‏:‏ وعزتك لا أعبر إلا في زورق‏!‏ وكان في مرض موته يبكي كثيراً فقال له‏:‏ أراك كثير الذنوب‏!‏ فرفع شيئاً من الأرض وقال‏:‏ ذنوبي أهون علي من هذا وإنما أخاف سلب الإيمان قبل أن أموت‏.‏

وقال حماد بن سلمة‏:‏ لما حضر سفيان الوفاة كنت عنده قلت‏:‏ يا أبا عبد الله ابشر فقد نجوت مما كنت تخاف وإنك تقدم على رب غفور‏!‏ فقال‏:‏ يا أبا سلمة أترى يغفر الله لمثلي قلت‏:‏ إي والذي لا إله إلا هو‏!‏ فكأنما سري عنه‏.‏

توفي سنة إحدى وستين ومائة عن ست وستين سنة بالبصرة‏.‏

وينسب إليها أبو أمية شريح بن الحرث القاضي يضرب به المثل في العدل وتدقيق الأمور بقي في قضاء الكوفة خمساً وسبعين سنة استقضاه عمر وعلي واستعفى من الحجاج فأعفاه ذكر أن امرأة خاصمت زوجها عنده وكانت تبكي بكاء شديداً فقال له الشعبي‏:‏ أصلح الله القاضي‏!‏ أما ترى شدة بكائها فقال‏:‏ أما علمت أن اخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم ظلمة الحكم إنما يكون بالبينة لا بالبكاء‏.‏

وشهد رجل عنده شهادة فقال‏:‏ ممن الرجل قال‏:‏ من بني فلان‏.‏

قال‏:‏ أتعرف قائل هذا الشعر‏:‏ ماذا أؤمّل بعد آل محرّقٍ تركوا منازلهم وبعد إياد قال‏:‏ لا‏!‏ فقال‏:‏ توقف يا وكيل في شهادته فإن من كان في قومه رجل له هذه النباهة وهو لا وكتب مسروق بن عبد الله إلى القاضي شريح وقد دخل زياد ابن أبيه في مرض موته ومنعوا الناس عنه وكتب إليه‏:‏ أخبرنا عن حال الأمير فإن القلوب لبطء مرضه مجروحة والصدور لنا حزينة غير مشروحة‏!‏ فأجابه القاضي‏:‏ تركت الأمير وهو يأمر وينهى‏!‏ فقال‏:‏ أما تعلمون أن القاضي صاحب تعريض يقول‏:‏ تركته يأمر الوصية وينهى عن الجزع‏!‏ وكان كما ظن‏.‏

والقاضي شريح توفي سنة اثنتين وثمانين عن مائة وعشرين سنة‏.‏

وينسب إليها أبو عبد الله سعيد بن جبير كان الناس إذا سألوا بالكوفة ابن عباس يقول‏:‏ أتسألونني وفيكم سعيد بن جبير وكان سعيد ممن خرج على الحجاج وشهد دير الجماجم فلما انهزم ابن الأشعث لحق سعيد بمكة وبعد مدة بعثه خالد بن عبد الله القسري وكان والياً على مكة من قبل الوليد ابن عبد الملك إلى الحجاج تحت الاستظهار وكان في طريقه يصوم نهاراً ويقوم ليلاً فقال له الموكل به‏:‏ إني لا أحب أن أحملك إلى من يقتلك فاذهب أي طريق شئت‏!‏ فقال له سعيد‏:‏ انه يبلغ الحجاج أنك خليتني وأخاف أن يقتلك‏!‏ فلما دخل على الحجاج قال له‏:‏ من أنت قال‏:‏ سعيد بن جبير‏!‏ قال‏:‏ بل أنت شقي بن كسير‏!‏ قال‏:‏ سمتني أمي‏!‏ قال‏:‏ شقيت‏!‏ قال‏:‏ الغيب يعلمه غيرك‏!‏ فقال له الحجاج‏:‏ لأبدلنك من دنياك ناراً تتلظى‏!‏ فقال سعيد‏:‏ لو علمت أن ذاك إليك ما اتخذت إلهاً غيرك‏!‏ قال‏:‏ ما تقول في الأمير قال‏:‏ إن كان محسناً فعند الله ثواب إحسانه وإن كان مسيئاً فلن يعجز الله‏!‏ قال‏:‏ فما تقول في قال‏:‏ أنت أعلم بنفسك‏!‏ فقال‏:‏ تب في علمك‏!‏ فقال‏:‏ اذم أسوءك ولا أسرك‏.‏

قال‏:‏ تب‏!‏ قال‏:‏ ظهر منك جور في حد الله وجرأة على معاصيه بقتلك أولياء الله‏!‏ قال‏:‏ والله لأقطعنك قطعاً قطعاً ولأفرقن أعضاءك عضواً عضواً‏!‏ قال‏:‏ فإذن تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك والقصاص أمامك‏!‏ قال‏:‏ الويل لك من الله‏!‏ قال‏:‏ الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار‏!‏ فقال‏:‏ اذهبوا به واضربوا عنقه‏.‏

فقال سعيد‏:‏ اني أشهدك اني أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لتستحفظه حتى ألقاك بها يوم القيامة‏!‏ فذهبوا به فتبسم فقال الحجاج‏:‏ لم تبسمت فقال‏:‏ لجرأتك على الله تعالى‏!‏ فقال الحجاج‏:‏ اضجعوه للذبح‏!‏ فأضجع‏.‏

فقال‏:‏ وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض‏.‏

فقال الحجاج‏:‏ اقلبوا ظهره إلى القبلة‏.‏

قال سعيد‏:‏ فأينما تولوا فثم وجه الله‏!‏ قال‏:‏ كبوه على وجهه‏.‏

فقال‏:‏ مها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى‏!‏ فذبح من قفاه فبلغ ذلك الحسن البصري فقال‏:‏ الله يا قاصم الجبارة اقصم الحجاج‏.‏

وعن خالد بن خليفة عن أبيه قال‏:‏ شهدت مقتل سعيد بن جبير فلما بان رأسه قال‏:‏ لا إله إلا الله مرتين والثالثة لم يتمها وعاش الحجاج بعده خمسة عشر يوماً وقع الدود في بطنه وكان يقول‏:‏ ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي‏!‏ وتوفي سعيد سنة خمس وتسعين عن سبع وخمسين سنة‏.‏

وينسب إليها أبو الطيب أحمد المتنبي‏.‏

كان نادر الدهر شاعراً مفلقاً فصيحاً بليغاً أشعاره تشتمل على الحكم والأمثال قال ابن جني‏:‏ سمعت أبا الطيب يقول‏:‏ إنما لقبت بالمتنبي لقولي‏:‏ ما مقامي بأرض نخلة إلاّ كمقام المسيح بين اليهود أنا في أمّةٍ تداركها اللّ ه غريبٌ كصالحٍ في ثمود وكان لا يمدح إلا الملوك العظماء وإذا سمع قصيدة حفظها بمرة واحدة وابنه يحفظها بمرتين وغلامه يحفظها بثلاث مرات فربما قرأ أحد على ممدوح قصيدة بحضوره فيقول‏:‏ هذا الشعر لي ‏!‏ ويعيدها ثم يقول‏:‏ وابني أيضاً يحفظها ثم يقول‏:‏ وغلامي أيضاً يحفظها‏.‏

اتصل بسيف الدولة وقرأ عليه‏:‏ أجاب دمعي وما الدّاعي سوى طلل فلما انتهى إلى قوله‏:‏ أقل أنل اقطع احمل سلّ علّ أعد زد هشّ بشّ تفضّل ادن سرّ صل أمر سيف الدولة أن يفعل جميع هذه الأوامر التي ذكرها فيقول المتنبي‏:‏ حكى ابن جني عن أبي علي النسوي قال‏:‏ خرجت من حلب فإذا أنا بفارس متلثم قد أهوى نحوي برمح طويل سدده في صدري فكدت أرمي نفسي من الدابة فثنى السنان وحس لثامه فإذا المتنبي يقول‏:‏ نثرت رؤساً بالأحيداب منهم كما نثرت فوق العروس دراهم ثم قال‏:‏ كيف ترى هذا البيت أحسن هو قلت‏:‏ ويحك قتلني‏!‏ قال ابن جني‏:‏ حكيت هذا بمدينة السلام لأبي الطيب فضحك‏.‏

وحكى الثعالبي أن المتنبي لما قدم بغداد ترفع عن مدح الوزير المهلبي ذهاباً بنفسه إلى أنه لا يمدح غير الملوك فشق ذلك على الوزير فأغرى به شعراء بغداد في هجوه ومنهم ابن سكرة الهاشمي والحاتمي وابن لنكك فلم يجبهم بشيء وقال‏:‏ اني قد فرغت عن جوابهم بقولي لمن هو أرفع طبقة منهم في الشعر‏:‏ أفي كلّ يوم تحت ضبني شويعرٌ ضعيفٌ يقاويني قصيرٌ يطاول لساني بنطقي صامتٌ عنه عادلٌ وقلبي بصمتي ضاحكٌ منه هازل وأتعب من ناداك من لا تجيبه وأغيظ من عاداك من لا تشاكل وما التّيه طبّي فيهم غير أنّني بغيضٌ إليّ الجاهل المتعاقل وفارق بغداد قاصداً عضد الدولة بفارس ومدحه بقصائده المذكورة في ديوانه وربحت تجارته عند عضد الدولة وبقي عنده مدة ووصل إليه من مبراته أكثر من مائتي ألف درهم فاستأذن في المسير ليقضي حوائجه فأذن له وأمر له بالخلع والصلات فقرأ عليه قصيدته الكافية وكأنه نعى فيها نفسه ويقول‏:‏ ولو أني استطعت حفظت طرفي ولم أبصر به حتّى أراكا وفي الأحباب مختصٌّ بوجدٍ وآخر يدّعي معه اشتراكا إذا اجتمع الدّموع على خدودٍ تبيّن من بكى ممّن تباكى وأنّى شئت يا طرقي فكوني أذاةً أو نجاةً أو هلاكا وهذه الأبيات مما يتطير بها وجعل قافية آخر شعره هلاكا فهلك‏.‏

ولما ارتحل من شيراز بحسن حال ووفور مال فلما فارق أعمال فارس حسب أن السلامة تستمر كما كانت في أعمال عضد الدولة فخرج عليه سرية من الأعراب فحاربهم حتى انكشفت الوقعة عن قتله وقتل ابنه محسد ونفر من غلمانه في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

 اللاذقية

مدينة من سواحل بحر الشام عتيقة سميت باسم بانيها رومية وفيها أبنية قديمة ولها مرقاة جيدة وقلعتان متصلتان على تل مشرف على ربضها ملكها الفرنج فيما ملكوه من بلاد الساحل في حدود سنة خمسمائة‏.‏

وللمسلمين بها جامع وقاض وخطيب فإذا أذن المسلمون ضرب الفرنج بالناقوس غيظاً قال المعري‏:‏ باللاّذقيّة فتنةٌ ما بين أحمد والمسيح هذا يعالج دلبه والشّيخ من حنقٍ يصيح‏!‏ أراد بالدلب الناقوس وبالصياح الأذان‏.‏

قال ابن رطلين‏:‏ رأيت باللاذقية أعجوبة وذلك أن المحتسب يجمع الفواجر والغرباء المؤثرين للفجور في حلقته وينادي على واحدة ويتزايدون حتى إذا وقف سلمها إلى صاحبها مع ختم المطران‏.‏

وهو يأخذها إلى الفنادق فإذا وجد البطريق إنساناً لم يكن معه ختم المطران ألزمه جناية فلما كانت سنة أربع وثمانين وخمسمائة استرجعها صلاح الدين يوسف وهي إلى الآن في يد المسلمين‏.‏

اللجون حكي أن الخليل عليه السلام دخل هذه المدينة ومعه غنم له وكانت المدينة قليلة الماء فسألوه أن يرتحل لقلة الماء فضرب بعصاه هذه الصخرة فخرج منها ماء كثير اتسع على أهل المدينة حتى كانت قراهم ورساتيقهم تسقى من هذا الماء والصخرة باقية إلى الآن‏.‏

ماردين قلعة مشهورة على قلة جبل بالجزيرة ليس على وجه الأرض قلعة أحسن منها ولا أحكم ولا أعظم وهي مشرفة على دنيسر ودارا ونصيبين وقدامها ربض عظيم فيه أسواق وفنادق ومدارس وربط‏.‏

وضعها وضع عجيب ليس في شيء من البلدان مثلها وذلك أن دورهم كالدرج كل دار فوق أخرى وكل درب منها مشرف على ما تحته وعندهم عيون قليلة جل شربهم من الصهاريج المعدة في دورهم‏.‏

وقال بعض الظرفاء‏:‏ في ماردين حماها الله لي سكنٌ لولا الضّرورة ما فارقتها نفسا لأهلها ألسنٌ لان الحديد لها وقلبهم جبليٌّ قد قسا وعسا ماسبدان مدينة مشهورة بقرب السيروان كثيرة الشجر كثيرة الحمات والكباريت والزاجات والبوارق والاملاح‏.‏

بها عين عجيبة من شرب منها قذف اخلاطاً كثيرة لكنه يضر بأعصاب الرأس وإن احتقن بمائها أسهل إسهالاً عظيماً‏.‏

مجانة بلدة بإفريقية تسمى قلعة بسر لأن بسر بن أرطاة فتحها‏.‏

أرضها أرض طيبة ينبت بها زعفران كثير بها معادن الفضة والحديد والمرتك والرصاص والكحل وفي جنوبيها جبل تقطع منه أحجار الطواحين وتحمل إلى سائر بلاد العرب‏.‏

محجة من قرى حوران‏.‏

بها حجر يزوره الناس وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس عليه‏.‏

 مدين

مدينة قوم شعيب عليه السلام‏.‏

بناها مدين بن إبراهيم الخليل جد شعيب وهي تجارة تبوك بين المدينة والشام‏.‏

بها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لماشية شعيب قيل‏:‏ إن البئر مغطاة وعليها بيت يزوره الناس‏.‏

وقيل‏:‏ مدين هي كفرمندة من أعمال طبرية وبها البئر مرسى الخرز بليدة على ساحل بحر افريقية عندها يستخرج المرجان وليس للسلطان فيه حصة فيجتمع بها التجار ويستأجرون أهل تلك النواحي على استخراج المرجان من قعر البحر حكى من شاهد كيفية استخراجه أنهم يتخذون خشبتين طول كل واحدة ذراع ويجعلونهما صليباً ويشدون فيه حجراً ثقيلاً ويصلونه بحبل ويركب صاحبه في قارب ويتوسط البحر نحو نصف فرسخ ليصل إلى منبت المرجان‏.‏

ثم يرسل الصليب إلى البحر حتى ينتهي إلى قرار البحر ويمر بالقارب يميناً وشمالاً ومستديراً ليتعلق المرجان في ذوائب الصليب ثم يقلعه بالقوة ويرقيه فيخرج جسم أغبر اللون فيحك قشره فيخرج أحمر اللون حسناً‏.‏

 المرقب

بلدة وقلعة حصينة مشرفة على سواحل بحر الشام قال أبو غالب المغربي في تاريخه‏:‏ عمر المسلمون حصن المرقب في سنة أربع وخمسين وأربعمائة فجاء في غاية الحصانة والحسن حتى يتحدث الناس بحسنه وحصانته فطمع الروم فيه وطمع المسلمون في الحيلة بالروم بسببه فما زالوا حتى بيع الحصن منهم بمال عظيم‏.‏

وبعثوا شيخاً وولديه إلى انطاكية لقبض المال وتسليم الحصن فبعثوا المال مع ثلاثمائة رجل لتسلم الحصن وأخروا الشيخ عندهم‏.‏

فلما وصل المال إلى المسلمين قبضوه وقتلوا بعض الرجال وأسروا آخرين وباعوهم بمال آخر وبالشيخ وولديه وحصل الحصن والمال للمسلمين وقتل كثير من الروم‏.‏

مريسة قرية بمصر من ناحية الصعيد‏.‏

تجلب منها الحمر المريسية وهي من أجود حمر مصر وأمشاها وأحسنها صورة وأكبرها تحمل إلى سائر البلاد للتحف ليس في شيء من البلاد مثلها والبلاد الباردة لا توافقها فتموت فيها سريعاً‏.‏

وينسب إليها بشر المريسي المعتزلي‏.‏

كان في زمن المأمون وزعم انه يبين ان القرآن مخلوق وكل من شاء يناظره فيه‏.‏

وكان دليله أن القرآن لا يخلو اما أن يكون شيئاً أو لم يكن لا جائز أن يقال إن القرآن ليس بشيء لأنه كفر فتعين أن يكون شيئاً وقد قال تعالى‏:‏ الله خالق كل شيء‏.‏

فيكون خالقاً للقرآن أيضاً‏.‏

وقد غلب الناس بهذا وقبلوا منه وصاروا على هذا فاتصل هذا الخبر إلى مكة إلى عبد العزيز المكي فقام قاصداً لبغداد لدفع هذه الغمة وسأل المأمون أن يجمع بينه وبين بشر بن غياث فجمع بينهما وجرى بينهما مناظرات حاصلها أن عبد العزيز قد حجه بدليله وقال‏:‏ الالهية شيء أو ليس بشيء لا جائز أن يقال ليس بشيء لأنه كفر فتعين أن يكون شيئاً قال الله تعالى لبلقيس‏:‏ وأوتيت من كل شيء ينبغي أن تؤتى الالهية فدليلك يدل على أن بلقيس إلاهة فما ظنكم بدليل يدل على أن المخلوق إله فقيل لعبد العزيز‏:‏ هذا نقض حسن فما معنى قوله تعالى‏:‏ الله خالق كل شيء قال‏:‏ معناه الله خالق كل شيء قابل للخلق والايجاد والقديم غير قابل للخلق والايجاد وكذلك قوله تعالى‏:‏ وأوتيت من كل شيء معناه كل شيء يحتاج إليه الملوك‏.‏

فترى أوتيت الالهية والنبوة والذكورة كلها أشياء‏.‏

فاستحسن المأمون ذلك ورجع القوم عن الاعتقاد الفاسد وقام المريسي محجوجاً خائباً‏.‏

وحكى عبد الله الثقفي قال‏:‏ لما مات المريسي رأيت زبيدة في المنام فقلت لها‏:‏ ما فعل الله بك قالت‏:‏ غفر لي بأول معول ضربت في طريق مكة وأنا حفرت في طريق مكة آباراً كثيرة‏.‏

فقلت لها‏:‏ اني أرى في وجهك صفرة‏!‏ قالت‏:‏ قد حمل إلينا بشر المريسي فزفرت جهنم زقرة لقدومه هذه الصفرة من اثرها‏.‏

 مريوط

قرية بمصر قرب الإسكندرية‏.‏

من عجائبها طول عمر سكانها قال ابن زولاق‏:‏ كشف الطوال المزة قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق على نصف فرسخ منها‏.‏

من جميع جهاتها أشجار ومياه وخضر وهي من أنزه أرض الله وأحسنها‏.‏

يقال لها مزة كلب يقصدها أرباب البطالة للهو والطرب قال قيس بن الرقيات‏:‏ حبّذا ليلتي بمزّة كلبٍ غال عني بها الكوانين غول بتّ أسقى بها وعندي حبيبٌ إنّه لي وللكرام خليل عندنا المشرفات من بقر الإن س هواهنّ لابن قيسٍ دليل مصر ناحية مشهورة عرضها أربعون ليلة في مثلها‏.‏

طولها من العريش إلى اسوان وعرضها من برقة إلى ايلة‏.‏

سميت بمصر بن مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام وهي أطيب الأرض تراباً وأبعدها خراباً ولا يزال فيها بركة ما دام على وجه الأرض إنسان‏.‏

ومن عجائبها انه إن لم يصبها مطر زكت بخلاف سائر النواحي وإن أصابها ضعف زكاؤها‏.‏

ووصف بعض الحكماء مصر فقال‏:‏ إنها ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء وثلاثة أشهر مسكة أما ترى مصر كيف قد جمعت بها صنوف الرّياحين في مجلس السّوسن الغضّ والبنفسج وال ورد وصفّ البهار والنّرجس كأنّها الأرض ألبست حللاً من فاخر العبقريّ والسّندس كأنّها الجنّة التي جمعت ما تشتهيه العيون والأنفس ومن عجائبها زيادة النيل عند انتقاص جميع المياه في آخر الصيف حتى يمتليء منه جميع أرض مصر فإذا زاد اثني عشر ذراعاً ينادي المنادي كل يوم‏:‏ زاد الله في النيل المبارك كذا وكذا‏.‏

وفي وسط النيل مسجد بناه المأمون لما ذهب إلى مصر وخلف المسجد صهريج وفي وسط الصهريج عمود من الرخام الأبيض طوله أربعة وعشرون ذراعاً وكتب على كل ذراع علامة وقسم كل ذراع أربعاً وعشرين إصبعاً وكل إصبع ستة أقسام‏.‏

وللصهريج منفذ إلى النيل يدخل إليه الماء فأي مقدار زاد في النيل عرف من العمود وعلى العمود قوم أمناء يشاهدون ذلك ويخبرون عن الزيادة فإذا بلغ ستة عشر ذراعاً وجب الخراج على أهل مصر فإذا زاد على ذلك يزيد في الخصب والخير إلى عشرين فإن زاد على ذلك يكون سبباً للخراب‏.‏

واليوم الذي بلغ الماء فيه ستة عشر ذراعاً يكون يوم الزينة يخرج الناس بالزينة العظيمة لكسر الخلجان فتصير أرض مصر كلها بحراً واحداً‏.‏

والماء يخرج الفئران والثعابين من جحرتها فتدخل على الناس في القرى ويأكلها الكلاب والزيغان ويبقى ماء النيل على وجه الأرض أربعين يوماً ثم يأخذ في الانتقاص‏.‏

وكلما ظهر شيء من الأرض يزرعها الاكرة وتمشي عليها الأغنام لغيب البذر في الطين ويرمون بذراً قليلاً فيأتي بريع كثير لأن الله تعالى جعل فيه البركة‏.‏

وبها نهر النيل قالوا‏:‏ ليس على وجه الأرض نهر أطول من النيل لأن مسيره شهر في بلاد الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء‏.‏

وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر عند انتقاص المياه والأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب إلا النيل‏.‏

قال القضاعي‏:‏ من عجائب مصر النيل جعله الله تعالى سقياً يزرع عليه ويستغنى عن المطر به في زمان القيظ إذا نضبت المياه‏.‏

وسبب مده ان الله تعالى يبعث ريح الشمال فيقلب عليه البحر الملح فيصير كالسكر فيزيد حتى يعم الربى والعوالي ويجري في الخليج والمساقي فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضرت أيام الحراثة بعث الله ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بما أروى من الأرض‏.‏

ولهم مقياس ذكرنا قبل يعرفون به مقدار الزيادة ومقدار الكفاية‏.‏قال القضاعي‏:‏ أول من قاس النيل بمصر يوسف عليه السلام وبنى مقياسه بمنف وذكر أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمر بن العاص حين دخل بؤونه من شهر القبط وقالوا‏:‏ أيها الأمير إن لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها وذلك انه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل ليجري‏.‏

فقال لهم عمرو‏:‏ إن هذا في الإسلام لا يكون وإن الإسلام يهدم ما قبله‏!‏ فأقاموا بؤونه وابيب ومسرى وهو لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى هم الناس بالجلاء‏.‏

فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب عمر إليه‏:‏ قد أصبت إن الإسلام يهدم ما قبله‏!‏ وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل‏.‏

وإذا في الكتاب‏:‏ من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك‏!‏ فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء لأن مصالحهم لا تقوم إلا بالنيل فأصبحوا وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة‏.‏

وأما أصل مجراه فإنه يأتي من بلاد الزنج فيمر بأرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة ثم لا يزال جارياً بين جبلين بينهما قرى وبلدان والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله حتى يصب في البحر‏.‏

وقيل‏:‏ سبب زيادته في الصيف أن المطر يكثر بأرض الزنجبار وتلك البلاد ينزل الغيث بها كأفواه القرب ويصب السيول إلى النيل من الجهات فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووقت الحاجة إليه‏.‏

من عجائب النيل التمساح لا يوجد إلا فيه وقيل بنهر السند أيضاً يوجد إلا أنه ليس في عظم النيلي وهو يعض الحيوان وإذا عض اشتبكت أسنانه واختلفت فلم يتخلص منها الذي يقع فيها حتى يقطعه‏.‏

ويحترز الإنسان من شاطيء النيل لخوف التمساح قال الشاعر‏:‏ أضمرت للنّيل هجراناً ومقليةً مذ قيل لي‏:‏ إنّما التّمساح في النّيل فمن رأى النّيل رأي العين عن كثبٍ فما أرى النّيل إلاّ في البواقيل والبواقيل‏:‏ كيزان يشرب منها أهل مصر‏.‏

وبها شجرة تسمى باليونانية موقيقوس تراها بالليل ذات شعاع متوهج يغتر برؤيتها كثير من الناس يحسبها نار الرعاة فإذا قصدها كلما زاد قرباً زادت خفاء حتى إذا وصل إليها انقطع ضوؤها‏.‏

وبها حشيشة يقال لها الدلس يتخذ منها حبال السفن وتسمى تلك الحبال القوقس‏.‏

تؤخذ طعة من هذا الحبل وتشعل فتبقى مشتعلة بين أيديهم كالشمع ثم تطفأ وتمكث طول الليل فإذا وبها نوع من البطيخ الهندي تحمل اثنتان منه على جمل قوي وهي حلوة طيبة‏.‏

وبها حمير في حجم الكباش ملمعة بشبه البغال ليس مثلها في شيء من البلاد إذا أخرجت من موضعها لم تعش‏.‏

وبها طير كثير أسود البدن أبيض الرأس يقال له عقاب النيل إذا طار يقول‏:‏ الله فوق الفوق‏!‏ بصوت فصيح يسمعه الناس يعيش من سمك النيل لا يفارق ذلك الموضع‏.‏

والبرغوث لا ينقطع بمصر شتاءً ولا صيفاً وتولد الفأر بها أكثر من تولدها في سائر البلاد فترى عند زيادة النيل تسلط الماء على جحرتها فلا يبقى في جميع ممر الماء فأرة ثم تتولد بعد ذلك بأدنى زمان‏.‏

ومن عجائب مصر الدويبة التي يقال لها النمس قال المسعودي‏:‏ هي دويبة أكبر من الجرذ وأصغر من ابن عرس أحمر أبيض البطن إذا رأت الثعبان دنت منه فينطوي عليها الثعبان ليأكلها فإذا حصلت في فمه ترخي عليه ريحاً فينقطع الثعبان من ريحها وهذه خاصية هذه الدويبة قالوا ينقطع الثعبان من شدته قطعتين فإنها لأهل مصر كالقنافذ لأهل سجستان‏.‏

ومن عجائب مصر الهرمان المحاذيان للفسطاط قال أبو الصلت‏:‏ كل واحد منهما جسم من أعظم الحجارة مربع القاعدة مخروط الشكل ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع وسبعة عشر ذراعاً يحيط بها أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعاً وهو مع هذا العظم من أحكم الصنعة واتقان الهندام وحسن التقدير لم يتأثر من تضاعف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل‏.‏

وذكر قوم أن على الهرمين مكتوباً بخط المسند‏:‏ إني بنيتهما فمن يدعي قوة في ملكه فليهدمهما فإن الهدم أيسر من البناء قود كسوناهما بالديباج فمن استطاع فليكسهما بالحصير‏.‏

وقال ابن زولاق‏:‏ لا نعلم في الدنيا حجراً على حجر أعلى ولا أوسع منهما طولهما في الأرض أربعمائة ذراع وارتفاعهما كذلك وقال أبو عبد الله بن سلامة القضاعي في كتاب مصر‏:‏ إنه وجد في قبر من قبور الأوائل صحيفة فالتمسوا لها قارئاً فوجدوا شيخاً في دير قلمون يقرأها فإذا فيها‏:‏ إنا نظرنا فيها تدل عليه النجوم فرأينا أن آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض ثم نظرنا فوجدناه مفسداً للأرض ونباتها وحيوانها فلما تم الهرم الغربي بنى لابن أخيه الهرم المؤزر وكتبنا في حيطانها أن آفة نازلة من أقطار العالم وذلك عند نزول قلب الأسد أول دقيقة من رأس السرطان وتكون الكواكب عند نزولها إياها في هذه المواضع من الفلك الشمس والقمر في أول دقيقة من الحمل وزحل في درجة وثمان وعشرين دقيقة من الحمل والمشتري في تسع وعشرين درجة وعشرين دقيقة من الحمل والمريخ في تسع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت والزهرة في ثمان وعشرين درجة من الحوت وعطارد في تسع وعشرين درجة من الحوت والجوزهر في الميزان وأوج القمر في خمس درجات ودقائق من الأسد‏.‏

فلما مات سوريل دفن في الهرم الشرين ودفن أخوه هرجيت في الهرم الغربي ودفن ابن أخيه كرورس في الهرم الذي أسفله‏.‏

ولهذه الأهرام أبواب في ازج تحت الأرض طول كل ازج منها مائة وخمسون ذراعاً‏.‏

فأما باب الهرم الشرقي فمن الناحية الشرقية وأما باب الهرم الغربي فمن الناحية الغربية وأما باب الهرم المؤزر فمن الناحية الشمالية‏.‏

وفي الأهرام من الذهب ما لا يحتمله الوصف‏.‏

ثم ان المترجم لهذا الكلام من القبطي إلى العربي أجمل التاريخات إلى سنة خمس وعشرين ومائتين من سني الهجرة فبلغت أربعة آلاف وثلاثمائة وإحدى وعشرين سنة شمسية ثم نظر كم مضى من الطوفان إلى وقته هذا فوجده ثلاثة آلاف وتسعمائة وإحدى وأربعين سنة فألقها من الجملة الأولى فبقي ثلاثمائة وتسع وتسعون سنة فعلم أن تلك الصحيفة كتبت قبل الطوفان بهذه المدة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ حسرت عقول ذوي النّهى الأهرام واستصغرت لعظيمها الأحلام ملسٌ منبّقة البناء شواهقٌ قصرت لغالٍ دونهنّ سهام أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم طلّسم رملٍ كنّ أم أعلام وزعم بعضهم أن الأهرام بمصر قبور ملوك عظام بها آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم وأرادوا أن يبقى ذكرهم بسبب ذلك على تطاول الدهور‏.‏

وذكر محمد بن العربي الملقب بمحيي الدين‏:‏ ان القوم كانوا على دين التناسخ فاتخذوا الأهرام علامة لعلهم عرفوا مدة ذهابهم ومجيئهم إلى الدنيا بعلامة ذلك‏.‏

ومن الناس من يزعم أن هرمس الأول الذي يسميه اليونانيون أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو ادريس علم بطوفان نوح إما بالوحي أو بالاستدلال على ذلك من أحوال الكواكب فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم إشفاقاً عليها من الدروس واحتياطاً عليها وحفظاً لها‏.‏

ومن عجائب مصر أبو الهول‏.‏

وهو صورة آدمي عظيمة مصنعة وقد غطى الرمل أكثره‏.‏

يقال‏:‏ انه طلسم للرمل لئلا يغلب على كورة الجيزة فإن الرمال هناك كثيرة شمالية متكاثفة فإذا انتهت إليها لا تتعداه والمرتفع من الرمل رأسه وكتفاه‏.‏

وهو عظيم جداً وصورته مليحة كأن الصانع الآن فرغ منه‏.‏

وقد ذكر من رأى أن نسراً عشش في أذنه وهو مصبوغ بالحمرة قال ظافر الإسكندري‏:‏ كمثل عمارتين على رحيلٍ لمحبوبين بينهما رقيب وماء النّيل تحتهما دموعٌ وصوت الرّيح عندهما نحيب ولما وصل المأمون إلى مصر نقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل فوجد في داخله مراقي ومهادي هائلة يعسر السلوك فيها ووجد في أعلاه بيتاً مكعباً طول كل ضلع منه ثمانية أذرع وفي وسطه حوضاً رخاماً مطبقاً فلما كشف غطاؤه لم يوجد فيه غير رمة بالية فأمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ما سمعت بشيء عظيم فجئته إلا رأيته دون صفته إلا الهرمين فإني لما رأيتهما كانت رؤيتهما أعظم من صفتهما‏.‏

ومن عجائب مصر حوض لعين ماء منقور في حجر عظيم يسيل الماء إلى الحوض من تلك العين من جبل بجنب كنيسة فإذا مس ذلك الماء جنب أو حائض انقطع الماء السائل من ساعته وينتن الماء الذي في الحوض فيعرف الناس سببه فينزفون الماء الذي في الحوض وينظفونه فيعود إليه الماء على حالته الأولى‏.‏

وقد ذكر أمر هذا الحوض أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية وان هذا الحوض يسمى الطاهر‏.‏

وبها جبل المقطم وهو جبل مشرف على القرافة ممتد إلى بلاد الحبشة على شاطيء النيل الشرقي وعليه مساجد وصوامع لا نبت فيه ولا ماء غير عين صغيرة تنز في دير للنصارى يقولون انه معدن الزبرجد وسأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار فكتب عمرو بن العاص إلى عمر ابن الخطاب فكتب إليه‏:‏ ان استخبره لأي شيء بذل ما بذل فقال المقوقس‏:‏ إننا نجد في كتبنا انه غراس الجنة‏!‏ فقال عمر‏:‏ غراس الجنة لا نجد إلا للمؤمنين‏.‏

فأمره أن يتخذه مقبرة قالوا‏:‏ ان الميت هناك لا يبلى‏!‏ وبها موتى كثيرون بحالهم ما بلي منهم شيء وبها قبر روبيل بن يعقوب وقبر إليع عليه السلام‏.‏

وبها قبر عمران بن الحصين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومن عجائبها عين الناطول وناطول اسم موضع بمصر فيه غار وفي الغار عين ينبع الماء منها ويتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين فأراً قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ حكى لي رجل أنه رأى من ذلك الطين قطعة انقلب بعضها فأراً والبعض الآخر طين بعد‏.‏

ومن عجائبها نهر سنجة قال الأديبي‏:‏ هو نهر عظيم يجري بين حصن المنصور وكيسوم من ديار مصر لا يتهيأ خوضه لأن قراره رمل سيال إذا وطئه واطيء غاص به وعلى هذا النهر قنطرة من عجائب الدنيا وهي طاق واحد من الشط إلى الشط وتشتمل على مائتي خطوة وهي متخذة من حجر مهندم طول الحجر عشرة أذرع في ارتفاع خمسة أذرع وحكي ان عندهم طلسماً على لوح إذا عاب من القنطرة موضع أدلى ذلك اللوح على موضع العيب فينعزل عنه الماء حتى يصلح ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله‏.‏

ومن عجائبها جبل الطير‏.‏

وهو بصعيد مصر في شرقي النيل قرب انصنا وإنما سمي بذلك لأن صنفاً من الطير الأبيض يقال له البوقير يأتي في كل عام في وقت معلوم فتعكف على هذا الجبل وفيه كوة يأتي كل واحد من هذه الطيور ويدخل رأسه في تلك الكوة ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل فيعوم ويذهب من حيث شاء إلى أن يدخل واحد رأسه فيقبض عليه شيء في تلك الكوة فيضطرب ويبقى معلقاً منها إلى أن يتلف فيسقط بعد مدة‏.‏

فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى مثل ذلك الوقت من العام القابل‏.‏

وذكر بعض أعيان مصر‏:‏ ان السنة إذا كانت مخصبة قبضت الكوة على طائرين وإن كانت متوسطة على واحد وإن كانت مجدبة لم تقبض شيئاً‏.‏

المطرية قرية من قرى مصر عندها منبت شجر البلسان وبها بئر يسقى منها قيل‏:‏ إنه من خاصية البئر لأن المسيح عليه السلام اغتسل فيها‏.‏

حدث من رآها أن شجر البلسان يشبه شجر الحنا أو شجر الرمان أول ما ينشا وأرضها نحو مد البصر في مثله محوط عليه ولها قوم يخرجون شجرتها من سوقها ويتخذون منها ماءً لطيفاً في آنية زجاج ويجمعونه بجد واجتهاد عظيم فيحصل في العام نحو مائتي رطل بالمصري‏.‏

وهناك رجل نصراني يطبخه بصناعة يعرفها لا يطلع عليها أحد ويصفي منها الدهن وقد اجتهد الملوك أن يعلمهم فأبى وقال‏:‏ لو قتلت ما علمت أحداً ما بقي لي عقب‏.‏

قال الحاكي‏:‏ شربت من هذه البئر وهي عذبة فيها نوع دهنية لطيفة وقد استأذن الملك الكامل أباه الملك العادل أن يزرع شيئاً من شجر البلسان فأذن له فغرم غرامات وزرعه فلم ينجح ولا حصل منه دهن البتة فسأل أباه أن يجري لها ساقية من البئر المذكورة فأذن له ففعل وأنجح فعلموا أن ذلك من خاصية البئر‏.‏

وليس في جميع الدنيا موضع ينبت شجر البلسان وينجع دهنه إلا هناك ورأى رجل من أهل الحجاز شجر البلسان فقال‏:‏ انه شجر البشام بعينه إلا أنا ما علمنا استخراج الدهن منه‏.‏

معرة النعمان بليدة بين حلب وحماة كثيرة التين والزيتون‏.‏

ينسب إليها أبو العلاء أحمد ابن عبد الله المعري الضرير المشهور بالذكاء‏.‏

ومن عجيب ما ذكر عنه أنه أخذ حمصة وقال‏:‏ هذا يشبه رأس البازي‏!‏ وهذا تشبيه عجيب من أولي الأبصار فضلاً عن الأكمه وقد ذكر البعير عنده أنه حيوان يحمل حملاً ثقيلاً فينهض به فقال‏:‏ ينبغي أن تكون رقبته طويلة ليمتد نفسه فتقدر على النهوض به‏!‏ وكان له سرير يجلس عليه فجعلوا في غيبته تحت قوائمه أربعة دراهم تحت كل قائمة درهماً فقال‏:‏ ان الأرض قد ارتفعت عن مكانها شيئاً يسيراً والسماء نزلت‏!‏ ومن العجائب انه مع ذكائه اختفت عليه الموجودات التي ليست بمجسمة كالجواهر الروحانية فاعتقد ان كل موجود يكون مجسماً حتى قال‏:‏ قالوا‏:‏ إلهٌ لنا قديمٌ‏!‏ قلت لهم‏:‏ هكذا يقول قالوا‏:‏ قديمٌ بلا مكانٍ قلت‏:‏ أين هو فقولوا‏!‏ هذا الكلام لنا خفاءٌ معناه‏:‏ ليست لنا عقول وقال أيضاً‏:‏ يدٌ بخمس ماءٍ من عسجدٍ قرنت ما بالها قطعت في ربع دينار وقال الرضي الموسوي‏:‏ صيانة النّفس أغلتها وأرخصها صيانة المال فانظر حكمة الباري مكران ناحية بين أرض السند وبلاد تيز ذات مدن وقرى كبيرة ومن عجائبها ما ذكره صاحب تحفة الغرائب أن بأرض مكران نهراً عليه قنطرة من الحجر قطعة واحدة من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه بحيث لا يبقى فيها شيء ولو كانوا ألوفاً هذا حالهم فمن أراد من الناس القيء عبر على تلك القنطرة‏.‏